أوراق التاريخ

جهود السلطان عبد الحميد الثاني فى القدس وفلسطين

من هو السلطان عبد الحميد الثاني؟

جهود السلطان عبد الحميد الثاني فى القدس وفلسطين

عرف واشتهر السلطان عبد الحميد الثاني خلفية الدولة العثمانية الرابع والثلاثون بموقفه ضد الحركة الصهيونية التي انتشرت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت أحد أهدافها الاستيلاء على فلسطين وإقامة وطن قومي لليهود بها، وظهر دوره ومحاولاته في وقف تلك الحركة الصهيونية ورفضه لأهدافها وهذا ما سنتداركه فيما بعد، ولكن من هو السلطان عبد الحميد الثاني أولا؟

من هو السلطان عبد الحميد الثاني؟

السلطان عبد الحميد الثاني هو أحد سلاطين وخلفاء الدولة العثمانية، تحديدا الخليفة الرابع والثلاثون للدولة العثمانية، وُلد الخليفة عبد الحميد الثاني في عاصمة الدولة العثمانية “إسطنبول” وذلك في سبتمبر 1842، وتولى حكم الدولة العثمانية بعد إصابة أخيه السلطان محمد الخامس باضطرابات نفسية وتم عزله عن الحكم.

حكم السلطان عبد الحميد الثاني من أغسطس 1876 حتى أبريل 1909، وتم خلعه عن الحكم في ذلك الوقت بانقلاب وثورة ضده، وأطلق عليه المعارضين أسم “السلطان الأحمر”.

قام السلطان عبد الحميد الثاني أثناء فترة خلافته بالعديد من التغييرات الجذرية في الدولة العثمانية، في بداية فترة حكمه أطلق دستور جديد سمى “الدستور العثماني الأول” الذي أعده مدحت باشا، ويعتبر هذا الدستور هو أول دستور في تاريخ الدولة العثمانية والأتراك، احتوى على 119 مادة، من ثم تم وقف هذا الدستور مرة أخرى بسبب الحرب العالمية الثانية، حيث أنه طبقا للمادة 113 يمكن للسلطان وقف الدستور في حالات الطوارئ، وبعد التمرد العسكري ضد هذا القرار أعاد السلطان عبد الحميد الثاني تفعيله مرة أخرى، ومن هنا عُزل السلطان عبد الحميد وبدأت فترة الشرعية الثانية.

واجه السلطان عبد الحميد الثاني في فترة خلافته الكثير من التحديات والضغوطات الخارجية ومشاكل سياسية خارجية وكانت من أهمها مواجهة هرتزل قائد الحركة الصهيونية ورفض أطماعه وأهدافه ومحاولات تصديه له.

مطالب القيصر الألماني ويليام الثاني من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني

مع بداية الحركة الصهيونية بقيادة الصحفي النمساوي هرتزل في أواخر القرن التاسع عشر وانتشارها بين يهود أوروبا الوسطى والشرقية نظرا للعنصرية التي كانوا يلاقونها في تلك المنطقة وقتها، نجح هرتزل في إنشاء أول مؤتمر رسمي لهم وذلك في سويسرا 1897 وإقناع أغنياء اليهود بحركته وأهدافه بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، واستغل هرتزل علاقاته وعلاقات أغنياء اليهود الذين انضموا للحركة الصهيونية حتى وصلوا و وطدوا علاقتهم بالقيصر الألماني ويليام الثاني، والذي عرف عنه علاقته الجيدة بالسلطان عبد الحميد الثاني “حيث أن فلسطين كانت تقع تحت الحكم العثماني حينذاك وكان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني يحاول تحسين علاقاته السياسية بألمانيا نظرا للمشروعات الكبيرة والتحسينات العسكرية كمشروع برلين- بغداد”، وطلب هرتزل من القيصر الألماني ويليام الثاني أن يتوسط له عند السلطان عبد الحميد ويطلب منه إنشاء شركة تحت الحماية الألمانية.

وبعد عقد أول اجتماع بين السلطان عبد الحميد الثاني والقيصر الألماني ويليام الثاني، عرض عليه القيصر ويليام مطالب هرتزل ومجموعته، ولكن رفض السلطان عبد الحميد رفضا تاما وألتقى هرتزل في القدس وأخبره أنه يحترم جهوده في التنمية في فلسطين ولكن يجب أن يحترم الدولة العثمانية وسيادتها، وفي ذلك الوقت كانت تسعى ألمانيا للحفاظ على أمن وسلام الدولة العثمانية والمنطقة العثمانية بأكملها وتصديها ضد الأطماع البريطانية والفرنسية وذلك نظرا للحروب العالمية التي كانت بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والنمسا، من هنا تقبل الألماني ويليام الثاني رفض السلطان عبد الحميد الثاني مطالبه واقتنع بها، ودعا هرتزل وقيادات الحركة الصهيونية للاقتناع برفض السلطان العثماني.

ومن هنا أدرك هرتزل أن ألمانيا تعد عائق أمام أهدافه وأهداف الحركة الصهيونية في الحصول على فلسطين كوطن قومي لليهود.

حاول هرتزل فيما بعد في تدبير لقاء مع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عن طريق بعض من الوسطاء بعد أن عرض على بريطانيا أن تعيد جزيرة قبرص مرة أخرى إلى الدولة العثمانية بعد احتلالها لها وان تقوم بريطانيا ومعظم أوروبا بوقف مساعدتها للحركة الأرمنية التي كانت تعد خطراً على المنطقة العثمانية في ذلك الوقت وباءت كل تلك محاولاته بالفشل ورفض السلطان عبد الحميد الثاني كل مغرياته وعروضه، فكان الحل لهرتزل حينذاك تدبير ذلك اللقاء مع السلطان العثماني في 18 مايو 1901، وقد أخبره السلطان عبد الحميد الثاني في ذلك اللقاء أنه لن يبيع له الأراضي الفلسطينية تحت أي ظرف وان الأراضي ليست ملكا له بل ملكا لشعبها وأن شعبها مستعد للدفاع عنه بدمه، ورفض السلطان رفض حاتم وواضح وصريح.

ولكن هذا الرفض لم يكن كافي بالنسبة لهرتزل فقد حاول مرارا وتكرارا وعرض الكثير من العروض علي السلطان وقدم هدية مالية وصلت إلى 5 ملايين ليرة ذهبية قائلا ” اليهود يستعطفونكم للهجرة إلى فلسطين المقدسة، ولقاء أوامركم العالية الجليلة، نرجو التفضل بقبول هديّتهم خمسة ملايين ليرة ذهبية”.

ولكن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني كان على علم بكل مخططات الحركة الصهيونية منذ بدايتها ومنذ انعقاد اول مؤتمر لها في بازل سويسرا، وكان يصل له كل جديد بخصوص تلك الحركة وأهدافها عن طريق رجاله ومخابراته المنتشرين في جميع أنحاء أوروبا ومراقبته لتحركات زعماء الحركة على رأيهم هرتزل لذلك رفض السلطان العثماني كل تلك العروض لأنه يعلم نواياهم ومخططاتهم طويلة المدى.

وبعد رفض السلطان عبد الحميد الثاني لكل هذا نظم لقاء آخر بينه وبين النمساوي هرتزل وكان من أهم أحداث اللقاء أن السلطان طرد هرتزل ومن معه جميعاً.

وكتب السلطان عبد الحميد الثاني في مذاكرته راويا أحداث ذلك اللقاء ” “لليهود قوة في أوروبا أكثر من قوتهم في الشرق، ولهذا السبب فإن أكثر الدول الأوروبية تحبذ هجرة اليهود إلى فلسطين لتتخلص من العِرق السامي الذي زاد كثيرا… لذلك، علينا أن نقف في وجه فكرة توطين المهاجرين في فلسطين.. لن يستطيع رئيس الصهاينة هرتزل أن يقنعني بأفكاره.. إنه يسعى لتأمين أرض لإخوانه اليهود بممارسة الزراعة في فلسطين”.

الهجرة الشبه نظامية إلى فلسطين

بعد انتشار فكرة الصهيونية وذلك قبل حدوث أول مؤتمر رسمي لها بعامين كان قد بدأ اليهود في الهجرة إلى فلسطين بصورة شبه نظامية وخاصة بعد العنصرية الذي لاقوها بعد اغتيال الاسكندر الثاني، وقد لاحظ وقتها متصرف المقدس العثماني هذه الهجرة وأرسل إلى الحكومة العثمانية بتركيا وأخبرهم بأمر تلك الهجرة رغم ان نسبة الهجرة لم تكن تتعدى  2٪ .

ومن هنأ أمر السلطان عبد الحميد الثاني بمنع استيطان اليهود في فلسطين، ولكن اليهود لم يعجبهم الأمر وبدأوا في الدخول إلى بيت المقدس بحجة قضاء مناسك الحج، وتعديهم الفترة المحددة لهم بالتأشيرات، وكان يحميهم من تلك الأفعال بريطانيا وفرنسا وذلك بسبب قانون كان يسمح لبريطانيا وفرنسا بحماية الأقليات داخل حدود الدولة العثمانية.

وكان رد السلطان عبد الحميد الثاني على تلك الأفعال أنه أصدر قوانين تنص على أن الحجاج اليهود يمكنهم دخول أراضي متصرفية القدس فقط لا غير، وفرض عليهم دفع تأمين لضمان عودتهم حيث أتوا بعد إنتهاء مدة التأشيرة.

طرد السلطان عبد الحميد الثاني للمهاجرين إلى أمريكا

بعد تمادي اليهود ومحاولاتهم المتكررة في الحصول على وطن قومي داخل فلسطين، أصدر السلطان عبد الحميد الثاني فرمانات سلطانية تنص على أن يتم طرد المهاجرين من اليهود إلى أمريكا، وذلك لمحاولتهم في اتخاذ فلسطين كدولة رسمية لهم وإنشاء حكومة خاصة بهم في القدس، ونص أحد الفرمانات على منع إسكانهم في فلسطين وقوانين تفرض عدم بيع الأراضي إلى اليهود.

من هنا يمكننا أن نرى كل محاولات السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في التصدي ضد الحركة الصهيونية وضد أهداف وأطماع اليهود وأن نحدد علاقة السلطان باليهود في فلسطين ومحاولات تخلصه منهم وفرضه للكثير من العقوبات وإصدار الكثير من الفرمانات ومنعهم من شراء أي أراض فلسطينية أو الاستيطان داخل حدود فلسطين وبذل قصارى جهده للحفاظ على الأراضي الفلسطينية المقدسة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى