أوراق التاريخ

دولة المماليك و صراع الخلافة والتتار

كانوا دائما أهل طعان ونزال… كانوا أشقاء للسيف والرمح … أبطال عين جالوت ووقعة حمص ووقعة شقحب وفاتحي
قبرص ولكن لما نسوا الرسالة التي عاشوا من أجلها في الدفاع الخارجي نسوا السيف
وانقلبوا إلى متسلطين داخليين على الأمة و فقدوا دورهم في التاريخ.

انهم المماليك ابناء قطز وبيبرس والذين حولوا دفة التتار من أشد الأعداء الى أهم الفاتحين.

دولة المماليك

( ٦٤٨ – ٩٢٢) هـ

أولاً : دولة المماليك البحرية :

(٦٤٨ – ٧٨٤) هـ
وعددهم ٢٤ سلطانًا أولهم السلطان عز الدين أيبك التركماني، تولى أمر مصر سنة ٦٤٨ هـ وتزوج الملكة شجر الدر ، ثم سلب منها كل سلطة واضطهدها، ثم قتل سنة ٦٥٥ هـ ثم قتلت شجر الدر فتولى ابن أيبك الإمارة ولقب بالملك المنصور وهو صبي لا يزيد عمره عن ١١ سنة !!!

ولاية سيف الدين قطز :

فقام بأمر الدولة سيف الدين قطز فوقعت في مدته سنة ٦٥٦ هـ النكبة العظمى وهي سقوط بغداد في يد التتار وزوال الخلافة.

فجمع قطز القضاة والعلماء لذلك، فأفتوه بخلع السلطان الصبي وولوه مكانه، فتولى سنة ٦٥٧ هـ ولقب بالملك المظفر، فلما جاءت سنة ٦٥٨ هـ كان العالم الإسلامي يتحكم فيه ملوك أربعة باستثناء الشمال الإفريقي. . شمال آسيا بلاد ما وراء النهر وأذربيجان وسمرقند و خراسان وغيرها يحكمها هولاكو ملك التتار.
البلاد الشامية يحكمها الملك الناصر بن العزيز.
بلاد الكرك يحكمها المغيث بن العادل.
ومصر يحكمها قطز.
عجباً لملوك يتحاربون من أجل الملك ويذهلون عن أعدائهم :
وكان ملك الشام بمعونة ملك الكرك قد عزما على محاربة الملك قطز لأخذ منه عنوة، ولكن وصول الخبر بعزم هولاكو على غزو بلاد الشام حال دون ذلك، فدخل حلب بعد حصار سبعة أيام وأعمل في أهلها القتل وانخلع قلب حاكم حماه فأرسل مفاتيح البلد إلى هولاكو قبل أن يتحرك نحوها.

ثم دخل دمشق بغير مدافع ولا ممانع في آخر صفر سنة ٦٥٨ هـ واستعصت قلعة دمشق على التتار فضربوها بالمجانيق حتى استسلم من فيها وجعل التتار
حكم البلد والقلعة إلى رجل تتري يسمى إبل سيان… وكان إبل سيان هذا ميالاً إلى النصارى، معظمًا لدينهم، فصار للنصارى صولة وجولة وعاثوا في الأرض الفساد، وأخذوا يطوفون بالشوارع وهـم يصيحون ظهر الدين الصحيح دين المسيح، وذموا الإسلام وأهله، ورفعـوا الصليب، وأجبروا الناس على القيام له ولما شكا المسلمون إلى الحاكم التتري طردهم ،وأهانهم، وكان لكتبغا نائب هولاكو أسلوب خبيث في حربـه مـع المسلمين:

فكان إذا فتح بلدا ساق مقاتلة هذا البلد إلى البلد الآخـر الـذي يليـه ويطلب من أهل ذلك البلد أن يؤوا هؤلاء إليهم، فإن فعلوا حصل مقصوده في تضييق الأطعمة والأشربة عليهم فتقصر مدة الحصار عليه لقلة المخزون فإن امتنعوا من إيوائهم عندهم قاتلهم بأولئك المقاتلة الذين هم أهل البلد الذي فتحه قبل ذلك، فإن حصل الفتح وإلا قاتلهم بجنده وأصحابه مـع راحـة أصحابه وتعب أهل البلد وضعفهم حتى يفتحها سريعا
وكان يبعث إلى الحصن وهو يحاصره يقول : إن ماءكم قـد قـل فنخشى أن نأخذكم عنوة عن آخركم ونسي نساءكم وأولادكم فما بقاؤكم بعد ذهاب مائكم ؟ فافتحوا صلحا قبل أن نأخذكم قسرًا، فيقولون له: إن الماء عندنا كثير فلا نحتاج إلى ماء.
فيقول: لا أصدق حتى أبعث من عندي من يشرف عليه فإن كان كثيرا انصرفت عنكم، فيقولون: ابعث من يشرف عليه، فيرسل رجالاً من جيشه معهم رماح مجوفة محشوة سما ، فإذا دخلوا الحصن ظهروا أنهم يقيسون عمق الماء بتلك

الرماح فينفتح ذلك السم ويختلط بالماء فيكون سبب هلاكهم وهم لا يشعرون!!!

العزين عبد السلام :

وصلت أخبار التتار إلى مصر عند ذلك عقد المصريون مجلسًا حضره قاضي مصر بدر الدين السنجاوي والشيخ عز الدين بن عبد السلام ليدبروا أمرهم، واقترح أحد الحاضرين أن تأخذ الدولة شيئًا من أموال الناس للإنفاق على المعركة فوقف الشيخ العز بن عبد السلام وقال (إذا لم يبق في بيت المال شيء، ثم أنفقتم أموال الحوائض المذهبة وغيرها من الفضة والزينة وتساويتم أنتم والعامة في الملابس سوى آلات الحرب بحيث لم يبق للجندي سوى فرسه التي يركبها، ساغ للحاكم حينئذ أخذ شيء من أموال الناس في دفع وجب على الناس كافة دفعهم بأموالهم وأنفسهم).

خروج المسلمين إلى التتار

رأى قطز أن يبادر التتار قبل أن يبادروه وأن يذهب إليهم قبل أن يهاجموه، فجيش جيشه وأعد عسكره وخرج متوجهًا نحو الشام، فاستيقظ جيش التتار بقيادة كتبغا على صهيل جيش قطز تملأ عليهم سهل البقاع .
وفي رمضان سنة ٦٥٨ هـ كانت عين جالوت دارت معركة عنيفة بين الطرفين انتهت بهزيمة التتار وقتل قائدهم وكثير من أهل بيته وأمـر قـطـز الأمـير بيبرس البندقداري أن يتبع الجيش المنهزم فأتبعوهم حتى وصلوا إلى حلب…

وأما من كان في دمشق من التتار، فقد فروا هاربين وتبعهم المسلمون من أهل دمشق يقتلونهم ويستخلصون الأسرى من بين أيديهم … وأسقط في أيدي النصارى الذين أيدوا التتار، وهاجم المسلمون الكنيسة التي يخرج منها الصليب وأحرقوها وأحرقوا، بيوت النصارى الذين أجبروهم على القيام للصليب، وقتـل
المسلمون رجلاً رافضيًا كان عونًا للتتار على الاستيلاء على أموال المسلمين. ونجح بيبرس أن ينتزع أكثر إمارات الشام من أيدي بني أيوب، فوعده قطز بولاية حلب ولم يستطع أن يفي بوعده، فقتله بيبرس وهم عائدون إلى مصر
وتولى بعده أمر مصر.

مشهد من المعركة :

الملك قطز لما كان يوم المعركة قتل جواده ولم يجد أحدا في الساعة الراهنة الجنائب، فترجل وبقى واقفًا على الأرض ثابتًا،
وهو في موضع السلطان من القلب، فلما رآه بعض الأمراء ترجل عن فرسه وحلف على السلطان ليركبنها فامتنع وقال لذلك الأمير ما كنت لأحرم المسلمين نفعك … ولم حتى جاءته الوشاقية بالخيل فركب فلامه بعض الأمراء وقال: ياخوند لم لا ركبت فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك وهلك الإسلام بسببك فقال: أما أنا فكنت أروح إلى الجنة وأما الإسلام فله رب لا يضيعه قد قتل فلان وفلان وفلان حتى عد خلقا من الملوك ؟ فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضيع الإسلام ..
بدء الملك الحقيقي للمماليك البحرية :

المماليك البحرية

هم مماليك الصالح نجم الدين أيوب الذين كثـر عـددهم، وزادت تعدياتهم فضح منهم السكان فبنى لهم قلعة في جزيرة الروضة سنة ٦٣٨ هـ فعرفوا بالمماليك البحرية.

الظاهر بيبرس البندقداري

(٦٥٨ – ٦٧٦) هـ
ويعتبر أول حاكم لهم بعد مرحلة تأسيس دولتهـم هـو الظاهر بيبرس البندقداري.
فبدأ بتنظيم أمور الدولة وإصلاح الجيوش وإنشاء الأسطول، ثم عني بتحصين الشام وأنشأ بريدًا سريعًا بالحمام الزاجل بين دمشق والقاهرة، وكان بيبرس يرمي إلى بلوغ ما بلغه صلاح الدين وإلى استئصال شأفة الصليبيين مما بقى في أيديهم بالشام، ولكي يعزز زعامته للإسلام دعا إلى مصر أ الخلفاء العباسيين الذين فروا من وجه التتار من بغداد، وبايعه بالخلافة، وهو المستنصر، ثم إن المستنصر هذا ذهب لمحاربة التتار فقُتِل وبويع بالخلافة من بعده للحاكم بأمر الله أحمد، وهو جد الخلفاء العباسيين بمصر، واستمرت الخلافة في العباسيين حتى ورثها منهم العثمانيون.

بركة خان ابن عم هولاكو يدخل في الإسلام :


بعد هزيمة التتار في عين جالوت دب النزاع بينهم، وطالب الأمراء هولاكو بنصيبهم من الأموال والأملاك، ووصل النزاع ذروته سنة ٦٦٠ هـ حينما دب الخلاف بين هولاكو وبين بركة خان ابن عم هولاكو … وكان بركة خان محبا للمسلمين.. فأعلن دخوله في الإسلام وأرسل إلى الظاهر بيبرس، رسالة يقول فيها: قد علمت محبتي ،للإسلام وعلمت ما فعل هولاكو بالمسلمين فاركب أنت من ناحية حتى آتيه أنا من ناحية حتى نهزمه أو نخرجه من البلاد، وأعطيك جميع ما كان بيده من البلاد». وأعجب الظاهر بهذا الرأي فإن الله عز وجل سيكفيه التتار، ويسلط بعضهم على بعض .. ودارت معركة شرسة بين هولاكو وبركـة خـان انتهت بهزيمة هولاكو وفراره في شرذمة من بقايا جيشه ثم أغار بركة خان على القسطنطينية فهادنه صاحبها، وأرسل السلطان الظاهر بيبرس إلى بركة خان هدايا وتحفاً عظيمة .

وجاء وفد من التتار على الظاهر بيبرس مستأمنين يطلبون النجاة، فأمنهم وأحسن وفادتهم، ومنحهم إقطاعيات عظيمة . وفي سنة ٦٦٤ هـ كانت وفاة هولاكو حيث مرض بالصرع ودفن في قلعة تلا .. وقام بأمر التتار بعده ولده أباقاخان وهو أحد أولاده العشرة الذين خلفهم هولاكو ولما علم بركة خان بتولية أباقاخان أمر التتار قصده بجيشه فهزمه، وفرق عنه جموعه.

وفاة بركة خان :


عاش بركة خان بن تولى بن جنكيز خان محبا للإسلام ولعلمائه، وكان الملك
الظاهر يناصحه ويكرم رسله حتى توفى سنة ٦٦٥ هـ.
وقام مقامه بعض أهل بيته وهو منكوتمر بن طغـان بـن بـابوبن تولى ابن جنكيز خان وكان منكوتمر مسلما سار على طريقة بركة خان


تهديد التتار من جديد :


كتب أبغا خان إلى السلطان الظاهر وهو في دمشق يقول له: «أنت مملوك بسيواس، فكيف يصلح لك أن تخالف ملوك الأرض؟ وأعلم أنك لو صعدت إلى السماء وهبطت إلى الأرض، ما تخلصت مني، فاعمل لنفسك على مصالحة
السلطان أبغا ..».
فلما وصلت الرسالة إلى بيبرس قال للرسل… أعلموه أنـي مـن ورائه بالمطالبة، ولا أزال حتى أنتزع منه جميع البلاد التي استحوذ عليهـا مـن بـلاد الخليفة وسائر أقطار الأرض…».
أفزع التتار بقيادة أباقاخان وعاونهم الصليبيون المسلمين بالديار الشامية حينا ولكن .. في سنة ٦٦٩ هوقع النزاع بين أبغا خان وريث هولاكو وبين ابن عمه منكوتمر فهزم أباقاخان وجاءت البشارة للسلطان بيبرس وهو في عسقلان ففرح بها. وفي سنة ٦٧١ هبلغ بيبرس أن طائفة التتار عند الفرات تستعد لعبوره للهجوم على الشام مرة أخرى، فركب السلطان، وخاض الفرات بنفسه وجنوده والتقى مع التتار فقتل منهم مقتله عظيمة وكان معه يومئذ الأمير سيف الدين قلاوون وبدر الدين بيسري.

وفي سنة ٦٧٥ هـوقعت معركة أخرى بين المسلمين والتتار واستشهد فيها من نفر من خيرة المسلمين ولكن النصر حالف المسلمين.

بيبرس والصليبيين

أرهب بيبرس الصليبيين فوقع بعضهم صلحاً معه، وتوجه بيبرس إلى إنطاكية التي كانت متحالفة مع التتار، فهاجمها وأسر حاكمها وأسـر مـن أهلها قرابة مائة ألف سنة ٦٦٥ هـ، وكان هذا النصر سببًا في أن طلب ملك أرمينية الصلح مع بيبرس، وحذا حذوه أمير طرابلس وملك بيت المقدس، وقد صالحهم بيبرس ليتفرغ لعدوين خطرين؛ التتار من ناحية والإسماعيليـة مـن
ناحية أخرى..

بيبرس والباطنية


استطاع بيبرس أن يخضع الباطنية من الإسماعيلية النازلين في الشام والمسمين عند الإفرنج بالحشاشين بعد أن كانوا آفة على ملوك مصر سر منذ أيام صلاح الدين…
٦٨٩ هـ)
فبقى
ولم تلهه غزواته في الشمال عن الالتفات للأقاليم الجنوبية، فأرسل جيشا إلى بلاد النوبة سنة ٦٧٤ هـ فأخضع أهلها وأعاد جزية العبيد بعد أن امتنعوا عنها. سنة ٦٧٦ هـ فحدثت منازعات بشأن تولى الملك، فخلفه ثم توفى بيبرس ولدان أحدهما بعد الآخر ولم تطل مدتهما، وانتهى الأمـر بـتـولـي السلطان (الملك المنصور سيف الدين (قلاوون) الصالحي (من سنة ٦٧٨ حتى الملك في بيته أكثر من مائة عام وبعد أن تم له الأمر عقد هدنة مع الصليبيين لمدة عشر سنوات، على ألا يسمح للسفن المصرية بدخول المواني المسيحية بالشام، وألا يقوم الصليبيون بأي تحصين جديد في مدنهم، ومن ذلك يعلم مقدار ما وصل إليه الصليبيون أن ذاك من الضعف والهوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى